توثيق القطع الأثرية اليمنية.. مبادرة تفتح بصيص أمل للحفاظ على الآثار

توثيق القطع الأثرية اليمنية.. مبادرة تفتح بصيص أمل للحفاظ على الآثار
فعالية توثيق الآثار في صنعاء (شواهد)

في ظل الأهمية التي يمثلها، كواحد من أهم المتاحف اليمنية، شهدت صنعاء مؤخراً فعالية إصدار “كتالوج النقوش اليمنية القديمة في المتحف الحربي بصنعاء”، كنتاج تعاون بين المتحف الحربي ومركز الهدهد للدراسات الأثرية، والذي يعد من أهم الفعاليات لتوثيق القطع الأثرية تمهيداً لحمايتها وحفظ عليها.

المتحف الذي يقع وسط صنعاء، بالقرب من ميدان التحرير، تأسس بداية ١٩٨٤م، ومع أنه تم افتتاحه رسمياً أمام الزوار في هذا العام الا أنه أغلق بعدها بفترة وجيزة وذلك بسبب النقص في التجهيزات.

لاحقاً، جرى فتح المتحف مرة أخرى عام ١٩٨٧م، حتى عام ١٩٩٠م، وبعد عام ١٩٩٤تم دمج المتحف مع عدد من الدوائر العسكرية في دائرة واحدة سميت ب” دائرة التوجيه المعنوي” التابع لوزارة الدفاع، والمتحف الحربي متخصص لعرض مختلف أنواع الأسلحة والمعدات الثقيلة، والخفيفة القديمة، والتي تم استخدامها في نضال الشعوب ضد الاستعمار أو ضد الحكام، وتعرض فيه صور المناضلين والشهداء، والاتفاقيات العسكرية والمعاهدات والوثائق، والمتحف الحربي لا يقتصر دوره على عرض ما يتعلق بالجانب العسكري؛ وإنما لديها العديد من القطع الأثرية.

مبادرة بصيص أمل في العتمة

توضح الدكتورة هديل الصلوي المديرة التنفيذية لمركز الهدهد للدراسات الأثرية أن الفعالية “جاءت بالتزامن مع اليوم العالمي للمتاحف، حيث أنها محاولة لأحياء مثل هذه الفعاليات التي نفتقر لها كثيراً في ظل ما تعانيه المتاحف اليمنية من قصور في جميع الأنظمة داخل المتحف، كما أن عملية التوثيق بإصدار كتالوج لإبراز ما يتواجد داخل المتحف من خلال توثيق وتصوير للقطع الأثرية”.

ويعتبر سامي محب الدين مدير عام مركز الدراسات والتدريب المعماري أن أهمية مثل هذه الفعاليات أنها تأتي في وقت يواجه فيها التراث والآثار اليمنية مشكلتين أساسيتين هي الهجمة الشرسة على الآثار اليمنية، وعملية النهب سواء على المستوى المحلي أو الخارجي. حيث بدأت تضج الصحف العالمية بالقطع الأثرية اليمنية التي تسرق بين الفينة والأخرى، والجانب الاخر مستوى الوعي الذي لا يوازي تلك الهجمة سواء من متخذي القرار أو على مستوى المراكز البحثية، ولذلك تعمل هذه الفعاليات على جمع المختصين ورفع الوعي بالاهتمام أكثر بالتراث اليمني .

وعلى ذات الصعيد، ترى الدكتورة الاء الاصبحي رئيس مركز كهرمانة للتراث المادي والغير مادي والميسرة لدى اليونسكو للتراث الغير مادي أن هذه الفعالية هامة جداً، وجديدة ونوعية بدرجة أساسية كونها توثق التراث الغير مادي لحضارة حملت من الفكر والعلم والثقافة كانت بداية وباكورة للحضارات القديمة، ومنها انطلقت الحضارة الفينيقية والكنعانية، والآشورية كانت كلها امتدادات للحضارة اليمنية التي قامت على القراءة والفكر والكلمة، حيثُ أن معظم آثارنا اليمنية تحمل النقوش وهما نوعان من النقوش نقش زبوريه وهي التي كانت لطبقة العامة والمعاملات، والنوع الثاني هو الخط المسند كانت الكتابة الرسمية التي كانت تنقش على الحجر، وكانت مادة الحجر بنسبه لها مادة تحفظها عبر مرور الزمن وليست مثل الكتابات الزبوريه للتعاملات”.

وتشير الاصبحي ان مثل هذه الفعالية حدث يوثق كل النقوش الموجودة في المتحف الحربي وهو أمر غير مسبوق ومهم جداً، خصوصاً في المرحلة التاريخية التي يمر اليمن بها من إرهاصات الحرب وبواعث الانهزام الذي يحاول الجميع من قمع حضارتنا الإنسانية، لكن الانسان اليمني هو رجل وامرأة وطفل متفردين دائماً في عطائهم الفكري وفي عطائهم المادي.

توثيق القطع الأثرية اليمنية وسيلة لحمايتها

يمثل كتالوج النقوش اليمنية القديمة في المتحف الحربي إنجازاً مهماً في الحفاظ على إرث اليمن الحضاري، يهدف إلى توثيق وعرض مجموعة من النقوش اليمنية المكتوبة بخط المسند والزبور، والتي تم جمعها من محافظات مختلفة منذ تأسيس المتحف الحربي.

استمر العمل على الكتالوج لمدة (١٠) أشهر بتفريغ النقوش اليمنية القديمة في استمارات خاصة، وإعادة قراءتها، حيث يضم الكتالوج (١١٨) نقشاً بخط المسند المدون على الأحجار والبرونز، و(٧٤) نقشاً بخط الزبور الذي يمثل الذي يمثل الخط الشعبي المدون على أعواد خشبية متنوعة.

تشير الصلوي إلى أن الكتالوج يستهدف القارئ العام بالدرجة الأولى، وذلك لرفع الوعي الجمعي لدى المواطن بأهمية هذه النقوش، حيث أن معلوماته مبسطة ومختصرة تقوم على وصف عام للقطعة الأثرية ونوع الكتابة سواء خط المسند أو الزبور أضافة إلى الإبعاد والمقاييس لكل قطعة من أي منطقة تم العثور عليها، وقد تم الاستناد على قاعدة بيانات المتحف الحربي وكذلك الخبرات الموجودة لدى مركز الهدهد.

وتضيف الصلوي أهمية التوثيق للقطع الأثرية خصوصاً في الحالة التي تعيشها اليمن من حرب ونزاعات والذي تأثر بها التراث اليمني مشيرة إلى الاستهداف بالقصف المباشر من قبل طيران التحالف على متحف ذمار الإقليمي الذي يقع في منطقة هران بتاريخ 21/ 5/ 2015م ، والذي يحوي بداخله العديد من القطع الأثرية لمختلف العصور وقد تم تدميره بشكل كلي.

وتتابع أن”التوثيق هنا يكون عودة لنا كدارسين وباحثين مختصين لمعرفة ما كان يحتويه المتحف…فالتوثيق خطوة أساسية ومهمة يجب أن تتم في أي مرفق حكومي يحتوي على قطع أثرية تماثيل نقوش وما إلى ذلك”.وأن عملية التوثيق هي حماية وحفظ للقطع الأثرية في حالة تهريبها والمتاجرة بها إلى خارج الوطن، حيث يعتبر التوثيق دليل ملكية للقطع الأثرية وأن هذه القطع الأثرية كانت موجودة في المتحف، ولكن من المؤسف أن الفترة الأخير الذي تم فيها تهريب القطع الأثرية لم يتم تهريبها من داخل المتاحف، وإنما من داخل المواقع الأثرية وهنا حجتنا لا تكون قوية لأنها غير موثقة.

وتشدد المتحدثة ضرورة رفع الوعي ليس فقط لدى المواطن وإنما لدى المسؤول بدرجة أساسية، بأهمية هذه الآثار والمواقع الأثرية والحفاظ عليها، لان الاثار هي بنسبة لنا مصدر أساسي ورئيسي لكتابتنا لتاريخ اليمن القديم إلى جانب النقوش، فرفع الوعي لدى المسؤول أولاً يأتي بعدها المواطن بالدرجة الثانية.

من جهتها ترى الدكتورة الأصبحي أن ما تتعرض له الآثار اليمنية للسرقة والنهب والتخريب والعبث أيضاً بسبب قلة ما يسمى بالمواطنة للتراث وهي حالة سلوكية يكون فيها المواطن على وعي تام بقيمة الأثر والتراث والفكر التي تحمله هذه الحضارات الإنسانية التي قامت سواء قبل بعثة النبي محمد عليه السلام أو بعده فترة ما نسميه بالإسلامية والإسلام كدين توحيدي هو موجود في اليمن القديم بدلالة النصوص القرآنية ”

وتشير إلى أن التواجد الحضاري الذي ظهر على مقتنيات الأثرية الموجودة والتي يتعمد الأخرون تهميش أو استبعاد أو طمس بكل الوسائل والطرق هو جبهة من جبهات الوطنية التي يجب الحرص على حمايتها من قبل المثقفين والكوادر العلمية وحتى على مستوى المواطنين والذي يجب أن يزداد الوعي الأثري والمعرفة بالمقتنيات التي موجودة بحيث أنه إذا فقدت تلاقي أنه المواطن نفسه يفتقدها لأنه جزء من معالمه وهويته وتاريخه صعب أنه يفقد جزء من فكرة الإنساني”.

تغريب الآثار اليمنية وفصلها عن مواطنها

وفقاً للدكتورة الاصبحي فإن هناك مشكلة تعاني منها القطع الأثرية الموجودة وهي فقدنها لسياقاتها، حيث أن لا قيمة لها إذا لم تكن في مكانها الأصلي حتى نتمكن من معرفة دلالتها واستخداماتها وما معناها وماهو الفكر الإنساني الذي تركه لنا الآخرين من أجدادنا.

على سبيل المثال التماثيل تعتبر قطع ضمن منطقة موجودة فيها أما في معبد أو مقبرة وهنا وجود القطعة في مقبرة يحمل معنى مختلف فكرياً عن وجودها في معبد، فوجود الأثر في مكانة امراً مهم ، لذا وجب على المواطن أن يكون على وعي تام أنه في حالة العثور على أي قطعة أثرية لا يجب أخذها من منطقتها، ولكن الاتصال بالجهات الرسمية والمختصة لتسجيل منطقتها، حتى لا نفقد قراءتها وسياقاتها، ولكن ما يحدث فعلياً هو عملية ممنهجة لطمس لحضارتنا عبر من يستعينوا لصوص الأثار الذين يقومون بنبش والتخريب القطع الأثرية ونقلها من مكانها الأصلي، وبهذا نفقد السياق الفكري لها والتوثيق التاريخي ومعها نفقد أمور كثيرة ومنها قصة القطعة الأثرية نفسها.

وتختم الأصبحي بأن “كتالوج النقوش اليمنية القديمة في المتحف الحربي بصنعاء” ظاهرة نوعية ثقافية لأنه جعلنا الحجر يتحدث ويخبرنا فكر القدماء وفلسفتهم وما حملوه من تاريخ وحضارة إنسانية عريقة.