التغيرات المناخية في اليمن: حصاد قاسٍ للفيضانات في المواقع الأثرية

التغيرات المناخية في اليمن: حصاد قاسٍ للفيضانات في المواقع الأثرية
أضرار التغيرات المناخية في المواقع الاثرية في اليمن (شواهد)

تشهد اليمن تغيرات مناخية وأمطارًا غزيرة على معظم المحافظات منذ يوليو 2024، ما خلف خسائر بشرية وأضرارًا في البنية التحتية في تلك المحافظات. كما تضررت المدن والمعالم التاريخية اليمنية بشكل كبير، بما في ذلك صنعاء القديمة، وزبيد، وثلاء، وجزء من سور قلعة شمر يهرعش الأثري (قلعة رداع) وغيرها من المدن والمعالم الأثرية.

زارت “شواهد” أحد المواقع المتضررة داخل صنعاء القديمة، وتحديدًا في حارة بستان السلطان، حيث سقط أحد المنازل الأثرية مساء الأربعاء 21 أغسطس، مما أدى إلى تضرر خمسة منازل أثرية مجاورة.

وفي حديثه مع “شواهد”، يقول محمد عياش، أحد أبناء الحارة ومالك أحد المنازل التي تأثرت بانهيار بيت الجلال، أن الحادث وقع في الساعة 11:30 مساءً، وأن سبب الانهيار كان وجود تشققات في المبنى، ومع الأمطار الغزيرة أدى ذلك إلى انهياره.

ويوضح عياش أن أصحاب المنزل كانوا يحاولون منذ أربع سنوات مراجعة المديرية والهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية للحصول على تراخيص تسمح لهم بترميم المنزل وإنقاذه على نفقتهم الخاصة، لكن دون جدوى، حيث تم رفض طلبهم من قبل تلك الجهات، ما أدى في النهاية إلى انهياره وتضرر المنازل المجاورة.

وأشار عياش إلى أنهم انتظروا لأكثر من أسبوع بعد سقوط المنزل وتضرر المنازل المجاورة دون أي استجابة من الدولة. وقال إن بعض الجهات الحكومية، مثل الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية وهيئة الآثار وأمانة العاصمة ولجنة الكوارث، قامت بزيارة الموقع لأخذ الصور التذكارية أمام المبنى بعد سقوطه، ثم غادرت دون العودة.

وأضاف أن الأضرار في المنازل المجاورة تزايدت، حيث تحولت الأضرار من 10٪ إلى ما يقارب 80٪ إلى 90٪، وذلك نتيجة تشرب المنازل للأمطار خلال العشرة أيام التي تلت سقوط بيت الجلال، وهو منزل مكون من سبعة طوابق، حيث تسبب ركامه في إلحاق أضرار كبيرة بالمنازل المجاورة.

ويقول أحد المواطنين القاطنين في الحي ساخرًا: “يقولوا عندي طربال ولم يدو الطربال”، مشيرًا إلى أن ما يحدث في صنعاء القديمة هو نتيجة فشل الهيئة العامة للمحافظة على المدن والمعالم التاريخية. وأضاف أنهم لا يرضون بترميم البيوت، ولا يسمحون للناس بترميم منازلهم، ولا يقدمون حتى المعايير التي على أساسها يتم الترميم.

وأشار إلى أن أكبر مصيبة داخل تلك الجهات هي الموظفون الذين يستغلون المواطنين داخل صنعاء القديمة. وقال إنه عندما يكون هناك شخص ذو نفوذ ولديه أموال يقوم بالبناء بدءًا من الأساسات بأعمدة أسمنتية وحجر، مخالفًا للطابع المعماري للمدينة، ولا يتعرض له أحد لأنه في النهاية قدّم أموالًا وأسكتهم.

وتحدث لشواهد: “أنا قمت بترميم منزلي باستخدام المواد ومعايير بناء صنعاء القديمة (قص، عقود، وياجور)، ولكم أن تتخيلوا أن المديرية أخذت مني أكثر من مليون ريال يمني، ولم يمنحوني سندًا بذلك، وقالوا إنها رسوم لشيء ما. على الأقل، لو كان لتلك الرسوم مردود على صنعاء القديمة، لكن ما حدث هو أن المبلغ تم نهبه.”

أضرار التغيرات المناخية في المواقع الاثرية في اليمن (شواهد)
أضرار التغيرات المناخية في المواقع الاثرية في اليمن (شواهد)

وتابع حديثه أن أحد المنازل المجاورة (بيت البهلولي) سقط في عام 2008م، وجاء أمين العاصمة وتم إعادة بنائه في اليوم التالي بصورة عاجلة، وكان هناك تفاعل من قبل الدولة في حينها.

وأوضح أنه كان هناك شخص داخل المنزل وقد منعتهم الشرطة من الدخول لإنقاذه، لكن أهالي الحارة تجمعوا ودخلوا لإنقاذه بالقوة. وأضاف أن الدفاع المدني لم يصل إلا بعد ساعتين من الحادث، وبحسرة قال: “لم نستفد منهم شيئًا، عدم السرعة منهم جريمة في حقنا.”

وفي سياق متصل، قامت اللجنة العليا للمحافظة على مدينة صنعاء القديمة وأعضاء في حكومة الإنقاذ بتدشين أعمال الإصلاحات الطارئة للمنازل المتضررة من الأمطار في المدينة التاريخية.

وبحسب وكالة الأنباء سبأ (صنعاء)، أعلن أمين العاصمة عن تقديم 100 مليون ريال، إلى جانب خمسة ملايين ريال كنفقات تشغيلية. كما خصصت لجنة الطوارئ الحكومية 50 مليون ريال، و30 مليون ريال من وحدة التدخلات المركزية التنموية الطارئة بوزارة المالية، بالإضافة إلى ما سيقدمه القطاع الخاص من دعم لتنفيذ الخطة.

وأوضح وكيل الهيئة للشؤون الفنية، رشاد المقطري، أنه في الوضع الحالي لا يمكن التنبؤ بعدد المنازل التي يمكن ترميمها، حيث يعتمد ذلك على نوع الضرر وحجم المبنى الأثري، وهو ما يحدد نوع التدخل وفقاً للدراسات، وأنه في الوقت الحالي يمكن فقط القيام بتدخلات إنقاذ وليس عمليات ترميم شاملة.

من جهتها، أعلنت اليونسكو عن توفير معدات الاستجابة الطارئة للجهات المعنية المحلية استجابة للأمطار الغزيرة والفيضانات التي تهدد مواقع التراث العالمي في اليمن. وبتمويل مقدّم من الاتحاد الأوروبي، تسعى اليونسكو وشركاؤها، من خلال مشروع الأشغال العامة والصندوق الاجتماعي للتنمية، إلى الحفاظ على سلامة الناس والتراث الثقافي والعمل من أجل التراث.

“مالي أسمع جعجعة ولا أرى طحناً” هذا هو حال المدن والمعالم الأثرية المتضررة في اليمن.