جمعة رجب يوم كانت معلماً: طقوس يمنية بين الاحتفال والإحياء

جمعة رجب يوم كانت معلماً: طقوس يمنية بين الاحتفال والإحياء
جمعة رجب والاحتفاء الشعبي (شواهد)

شواهد – خاص

“جمعة رجب، كلن حزب وعيد، وأنا حبيبي في الحبوس مقيد”

يشير عبد الله البردوني في كتابه “الثقافة الشعبية” إلى جمعة رجب بالتساؤل عن من قام باستحداث هذا الحدث؟ ليرد بقوله “ربما كانت زعامة شعبية قصيرة الأمد هي التي سَنَّت هذا اليوم، فأصبح تقليدا، ولا يمكن أن يستحدث الشعب أي مناسبة بدون تأثير زعامة قادرة على الاستحداث.” ويضيف “لم تشر التواريخ إلى الزعامة التي أسست هذا الاحتفال الرجبي”.

ويرى البردوني أن استمرار الاحتفال بأول جمعة من رجب يعود لأنه ذو منبع شعبي، لذا أصبح تقليدًا من تقاليد الشعب، غير مستنكر من قِبَل أحد، حتى في المناطق التي لا تُقيم فيها احتفالات به. ويرجع ذلك إلى عدم تشكل ذلك الاحتفال كخطر، لأنه لا يدل على أي مذهب سياسي. ويضيف أن المناطق التي تحتفل بجمعة رجب هي صنعاء وذمار ويريم وضواحيها، ولا تقام في مناطق صعدة وحجة والجوف ومأرب وتعز والبيضاء والحديدة وإب.

أما عن طقوس الاحتفال بهذه المناسبة في مدينة صنعاء القديمة، فتحكي شواهد قصة الحاج عبد الرحمن المحفدي، وهو أحد أبناء المدينة في العقد السابع من العمر. يقول إن إسلام اليمنيين كان برسالة وليس بقتال، وأن اليمنيين، خاصةً شمال اليمن، يحتفلون بأول جمعة من رجب في السبعة أيام الأولى من الشهر، حيث لا تشبه عيد رمضان، وعيد الأضحى يحدث في يوم معين، ولكنها مرتبطة بأول جمعة.

ويضيف المحفدي أن جيل الآباء والأجداد، بما في ذلك والده، كانوا يصفون الاحتفال بجمعة رجب بأنها مجرد جمعة، ولكنها تحتفل بعاداتها وتقاليدها وطقوسها، مثل عيد رمضان والأضحى، ولا يفتقد شيئًا من “كسوة العيد واللبس الجديد، وجعالة العيد، وسلام العيد، وكعك العيد، عسب العيد، والذبائح”. يشير إلى أن تلك الطقوس ترتبط أيضًا بالبيت الكبير في صنعاء القديمة، حيث يتجمع الناس فيه، والأم الكبيرة “الجدة” توصي أبناءها وأحفادها بزيارة أرحامهم وتوجيههم بأن وجبة الغداء وجلسة العصر تكون في البيت الكبير.

ويضيف أن استمرار احتفال أهل صنعاء بتلك الطقوس يعود إلى حرب صيف ٩٤، حيث صادفت جمعة رجب في تلك الحرب، والتي أدت إلى انقطاع الاحتفال بعيد جمعة رجب في تلك الفترة. يبرر ذلك بأن حرب صيف ٩٤ كانت فرصة للناس لإلغاء طقوس الاحتفال بعيد رجب بسبب التكاليف الاقتصادية الكبيرة التي فرضتها على الأسر. يشير إلى أنه في الوقت الحالي، بدأ الناس في العودة إلى هذه الطقوس في محاولة لإعادة إحياء احتفال جمعة رجب، خاصةً بين القبائل، ولكن أهالي صنعاء القديمة لم يعودوا يحتفلون بها كما كانت في الماضي. ويعتبر المحفدي أنه يمكن الاحتفال بإسلامنا بطرق أخرى وليس بهذه الطريقة التكليفية.

ومن ناحية أخرى، تختلف طقوس الاحتفال بعيد جمعة رجب في مدينة “السدة”، وهي إحدى مديريات محافظة إب، وتتحدث نجلاء الحكيم عن طقوس المدينة. تقول إن الاحتفال بعيد جمعة رجب يمتد إلى جمع شهر رجب كاملًا، حيث تتشابه طقوس مدينة السدة في إب في الجمعة الأولى مع طقوس صنعاء القديمة، غير أن الفارق يكمن في أن الاحتفال يستمر حتى الجمعة الثانية من الشهر. وعند النساء، يحدث التجمع في حصن العرافة، وهو حصن شاهق يضم قصرًا مهدمًا ومقبرة صخرية منحوتة داخل الجبل. يقضي الناس يومهم هناك من الصباح حتى الغروب، حيث يحضرن المأكولات الشعبية ويقمن بالإنشاد بينهن بالأهازيج والغناء والرقص. أما الجمعة الثالثة، فتكون للتجمعات الصغيرة العائلية، حيث يتجمع نساء العائلة في قرى متفرقة.

ومن جهة أخرى، تختلف طقوس احتفال جمعة رجب في مدينة تعز. يُعتبر مسجد الجند التاريخي في اليمن مكانًا مقدسًا لدى اليمنيين الذين يحتفلون سنويًا بذكرى أول يوم تقام فيه الصلاة في الجمعة الأولى من شهر رجب في السنة العاشرة للهجرة. يتحدث الدكتور علي سعيد سيف، أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة صنعاء، عن احتفال مسجد الجند في تعز، حيث يُحيي الناس هذا اليوم باعتباره يوم دخول الإسلام إلى المدينة.

يضيف أن الاحتفاء بجمعة رجب في تعز يعود إلى وقت مبكر عندما دخل الإسلام المدينة، وتم بناء مسجد الجند وقدم فيه الناس صلاة الجمعة للمرة الأولى في تلك السنة. يقول “يحتفل الناس بهذا اليوم بتقديم الهدايا والعروض، وبأن يكونوا في حالة من البهجة والسرور.”