الريال الفرانصي.. قصة العملة العالمية التي اشتهرت قديماً في اليمن
استخدم اليمن على مر العصور نقودًا غير يمنية تعود لعدة دول، وذلك نظراً للعلاقات التجارية التي كانت تجمعها بهذه الدول، وأيضاً لنقاء معدن تلك العملات وشهرتها الواسعة. من بين أشهر هذه العملات الريال الفضي المعروف باسم “ماريا تريزا”، والذي حمل اسم ملكة إمبراطورية النمسا، التي حكمت بين عامي 1740 و1780م.
وصل الريال النمساوي إلى اليمن عندما وصلت الحملة الفرنسية إلى المخا في 3 يناير 1709م، ومنذ ذلك الحين أطلق عليه العامة في اليمن اسم “الفرنسي”. انتشرت بعد ذلك عملات الدولة الفرنسية، مثل الفرنك المصنوع من الفضة والذي كان مشابهًا من حيث الحجم والوزن لريال “ماريا تريزا”. كانت العملات الرسمية للقوى الاستعمارية مثل فرنسا، بريطانيا، البرتغال، وإسبانيا تُستخدم إلى جانب النقود النمساوية في التجارة العالمية.
ومع بداية القرن الثامن عشر، أصبحت العملة النمساوية هي السائدة في منطقة البحر الأحمر، وسمي الريال النمساوي بـ”الفرانصي”، حيث كان الفرنسيون أول من استخدمه بكثرة. اشتهر الريال الفضي بسبب نقاء معدنه، ثبات وزنه، وقيمته المالية، مما جعله مرغوبًا في العديد من دول العالم، وكانت القوى الاستعمارية تتنافس على آلات سك النقود النمساوية.
في عام 1933، اشترت إيطاليا القوالب والآلات وحق السك لريال “ماريا تريزا” من النمسا، وذلك لاستخدامه كأداة للتغلغل في القرن الأفريقي في إطار الاستعمار الإيطالي. كانت هذه الريالات تحمل صورة واسم الإمبراطورة ماريا تريزا، واستمر ذلك حتى بعد وفاتها في عام 1780م. تم سك الريال لاحقًا بأسماء ملوك النمسا الذين جاءوا بعد ماريا تريزا، كما قامت بريطانيا وإيطاليا بسك العملات نفسها بحجم ووزن مماثلين، ولكن مع عبارات وشعارات مختلفة. وفي إريتريا، على سبيل المثال، ذُكر اسم العملة بالعربية “خمسة ريال” على النقود المستعملة هناك.
لاحقًا، تمكنت بريطانيا من احتكار حق سك ريال “ماريا تريزا” بفضل قوتها الاقتصادية والعسكرية، لتصبح المحتكر الوحيد لهذه العملة، مما جعل الريال أداة تدخل وضغط في العديد من مناطق العالم.
يرجح الباحث الدكتور غيلان غيلان في دراسة عن الرمز والدلالة في البنية التصميمية لمسكوكات الإمام يحيى بن حميد الدين، أن الإمام يحيى قد اعتمد الريال النمساوي “ماريا تريزا”. واستدل غيلان على ذلك بالعثور على صورة للريال النمساوي عبر شبكة الإنترنت وقد تم سك عليها النص المأثور: “أمير المؤمنين المتوكل على الله يحيى بن محمد نصر الله”.
كما أشار غيلان في دراسته إلى أن هذا الريال عرف في اليمن باسم “العمادي” نسبة إلى كنية الإمام يحيى، حيث يكنى حامل اسم يحيى بـ”عماد الدين”. تم لاحقاً اختصار الكنية إلى “العماد”، وسُك الريال من معدن الفضة، إلى جانب سك أجزاء منه مثل الربع، العشر، ونصف العشر. بينما تم سك النقود الأصغر من ذلك من معدن النحاس. والجدير بالذكر أن الإمام يحيى لم يسكت عملة نصف العمادي، ولم يُعرف سبب ذلك. كما تم تقسيم الريال العمادي إلى أربعين وحدة نقدية أصغر سميت “بقشة”.